الخميس، 19 فبراير 2015

الجزء التاسع من القصة المسلسلة « 0101011 » لـ أحمد رشدي

الجزء التاسع:

أجلس على المقهى، منتظراً عمر، أسود ورقاً أتيت به بحكم العادة، لا أكتب كلمات أو جملاً مفهومة كعادتي، كلمتين، رقم، جملة طويلة، تمتلئ الورقة أمامي، برسومات عشوائية، لحاسوب، ومن حوله أعداد ضخمة من الجراد، الطاولات من حولي، تطن بأصوات غير مفهومة، كأزيز ذباب في شهر أغسطس، متوقف على أكوام قمامة مبعثرة، أتاني الصبي يسألني عن طلبي.
“شاي أخضر، وإزازة ميه”
نظر إلي طويلاً، قبل أن ينصرف، راسماً على وجهة ابتسامة بلهاء، لا أعرف سببها، عدت إلى ورقي.
لم أستطع التركيز أكثر من 3ً دقائق، كنت مهتما أن أكتب أفكاري قبل أن يصل عمر، لكني ما استطعت الاستقرار على فكرة واحدة، كي أمضي معها، تداخلت كل الأفكار، لم أستطع فصلها، أو تبين ملمح أي اتجاه ستسلكه، أي منها.
“مولانا”
أتاني صوت عمر من ورائي، قمت أسلم عليه، احتضنني، وجلسنا.
“قرأت اللي بعتهولي، ومهتم”
“حلو، كده يبقى تتعرف على المجموعة الصغيرة اللي اتكونت، إحنا مش كتار، ولا عارفين نبقى مؤثرين، بس أهو بنحاول”.
نظرت إليه طويلاً، محاولاً التعرف على ملامح الشخصية الجديدة لعمر، لم يكن يهتم بالتقنية، أو بأي شيء خارج مجال عمله في الصوتيات، أصبح جزءاً من مجموعة سرية، هدفها محاربة التحالف الجديد.
البشر، دائماً ما يدهشوننا.
نادى على صبي القهوة، طلب كوباً من الماء المغلي، سألني عن المشروب الذي طلبته، وطلب مني أن ألغيه، كي أجرب مشروباً أتاه حديثاً من صديق عائد من الصين.
“خلاص، سك ع الشاي الأخضر، وهات لنا براد ميه مغلية، وإزازتين ميه معدنيه”.
مضى الصبي، وهو يخبط كفا بكف.
“إنتم إزاي لحقتم، تجمعوا نفسكم، وتعملوا مجموعة، أصلاً كل حركة المقاومة اللي طلعت دي، طلعت إمتى وإزاي؟، الموضوع مالحقش؟”
ابتسم عمر، واقترب مني بنصفه العلوي، المقابل لي ع الطاولة.
“صلي ع النبي يا مولانا، الموضوع بدأ من خمس سنين، أول ما دودل تبنت الفكرة، اللي كان مجموعة من مبرمجي المصادر المفتوحة طلعوها، كانت فكرة المبرمجين بكل بساطة، خلق نظام تشغيل ذكي، يقدر أنه يتعامل مع كل برمجيات الأنظمة التانية، ويبقى في الوقت نفسه، مفتوح المصدر، وبعيد عن تحكم الشركات الكبيرة.
دودل كما عادتها، تبنت المشروع، وعرضت مبالغ مهولة للمبرمجين، جزء من المبرمجين قبل الشغل معهم، والجزء التاني رفض، كانت حجة المجموعة اللي قبلت، إن مادام نواة النظام مفتوحة، وده حيتكتب في الاتفاق مع دودل، فخلاص، الموضوع منتهي، وفي الوقت نفسه، الفلوس اللي عرضتها دودل، على المطورين نظير أنها تستفاد من النظام ده، وتسوقه وتسوق نفسها معاه، في السوق، إنها راعي الأفكار الجديدة، والهادفة لإراحة المستهلك”.
وضع الصبي الطلبات على الطاولة، نظر إلى عمر شذراً، بشعره الذي أطلق جدائله، فأصبح كقمة شجرة متداخلة الأفرع، ولحيته التي أكملت صورة شجرة متناهية القدم.
“والله شبه الشجر اللي كان في سيد الخواتم”
ألقى الصبي جملته بصوت مسموع، وهو يغادر الطاولة، ضحك عمر.
“طب حاسب، لأدكك بفرعي في الأرض”.
تمتم الصبي بكلمات غاضبة غير مسموعة لنا، ابتسم عمر، وأخرج من حقيبة كتفه، كيسي شاي، مكتوب على ورقتهما كلمات صينية، وضعهما في براد الشاي.
“عشر دقائق، الشاي يستوي، وحتروق”
“كمل يا سيدي، لحد شايك ما يستوي”
“ماشي يا سيدنا، المهم، المجموعة اللي كملت في المشروع مع دودل، أنهت النظام في فترة قياسية، في التوقيت نفسه اللي كان معالج بيانات -بروسيسور- جديد ظهر في السوق.
المعالج ده، كان تطوير لمشروع قائم من الثمانينيات، هدفه الأساسي تمكين معالج البيانات، من التعلم من أخطائه، وتصحيحها، الصورة الأخيرة اللي وصل لها، كانت جبارة جداً، سواء من حيث الزمن المستغرق في تصحيح الخطأ، والتعلم منه، وتبني طرق جديدة، في التعامل مع نظام التشغيل.
دودل تمكنت من إنها تاخد قطع تجريبية، وتعرضها على المطورين، اللي تبنوها.
هنا حصلت الفورة الحقيقية للنظام.
على التهليل من الجالسين حولنا، مع هدف سجل في مباراة، تذاع على شاشة كبيرة موضوعة في المقهى.
“نصب الشاي بقى”
تناولت كوبي، تعرفت في رائحته على الكاموميل والزنجبيل، وفشلت في التعرف على بواقي الروائح.
“دي خلطة صيني، بتتعمل عشان تسترخي، وتعرف تركز”
“كمل”
“اللي حصل بعدها، إن دودل أطلقت النسخة الأولى للنظام، من غير معالج البيانات، وسابته مفتوح للجمهور مجاناً، وعملت براءة اختراع على الحاسوب المتضمن معالج البيانات والنظام.
الحركة دي، جننت أغلب المطورين اللي فضلوا في المشروع، وأعلنوا انسحابهم، ومافضلش غير اتنين بس من النواة الرئيسية للمشروع.
الخطوة التانية لدودل، كانت الاستحواذ على الشركة المصنعة للمعالج، وامتلاك براءات الاختراع المسجلة باسم الشركة، وبعدها على طول، قفلت بيع المعالج للجمهور، والشركات الأخرى، وبقت هي المصنع والمطور، والبائع الأوحد.
ركزت كل طاقتها وقوتها وراء المشروع ده، لو تفتكر من كام سنة، دودل بطلت تطور نظام تشغيلها للموبايلات، والسكة دي كلها، وقتها، كانوا بدؤوا اللمسات الأخيرة، في تطوير وتضبيط زايونج، تخلو عن كل حاجه تانية.
المطورين اللي استقالوا  وقتها، فضلت لهم علاقات مع الاثنين اللي فضلوا، لحد ما قررت دودل، نقل مقرها الرئيسي، وكل مطورينها للجزيرة اللي اشتروها في المحيط الهادئ، وسموها (جزيرة الألواح الصامتة).
دي كانت آخر حاجة عرفناها وقتها، ومن ساعتها، انقطعت الأخبار تماماً من المطورين اللي فضلوا مع دودل، لحد من سنتين، جات رسالة متشفرة من واحد منهم، لواحد من المستقيلين، مفادها إن دودل، قدرت تخلق نظام تشغيل قادر على تطوير نفسه، بدون تدخل بشري، وإن الخطوات اللي جايه لدودل حتكون أكثر رعباً بكثير.
وقتها، بدأت المجموعة الرئيسية للجبهة في التشكل، حاولوا يجمعوا أي معلومات ممكنة عن زايونج، بس فشلوا تماماً، فقرروا إنهم يراقبوا نشاطات دودل الاقتصادية، وحركة فلاد برينوجسكي، عشان يقدروا يتنبؤوا باللي حيحصل.

شارك
المشاركة بواسطة Unknown
أحمد رشدي

اكتب وصف المشرف هنا ..

0 التعليقات:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...